السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه
أما بعد :
تحية طيبة لكم جميعاً إخوتي في الله
وردت قصة سيدنا موسى في مواطن عدة من كتاب الله عز و جل ، و كلما قرأت قصص نبي الله الكريم الكليم موسى عليه السلام أشعر براحة كبيرة و إيمان متجدد و توكل كامل على الله تعالى في كل الأمور
و أستشعر مدى محبة الله تعالى لنبيه الكريم موسى عليه السلام إذ قال تعالى لسيدنا موسى
(( و ألقيت عليك محبة مني و لتصنع على عيني ))
و كم هو رائع و عظيم قوله تعالى (( و اصطنعتك لنفسي ))
يا له من تكريم و يا لها من مكانة رفيعة و مقام عال خص به الله سبحانه و تعالى نبيه الكريم موسى عليه السلام
و أعظم تكريم حظي به سيدنا موسى أن اختاره الله تعالى لحمل الرسالة و خصه وحده من بين البشر ليكون كليمه فقال عز و جل في علاه :
(( و كلم الله موسى تكليما ))
أروع ما لفت نظري في قصة سيدنا موسى عليه السلام هو ذلك الارتباط الوثيق و الصلة الدائمة بين العبد و ربه
و ذلك التوكل الرائع من سيدنا موسى عليه السلام على ربه سبحانه و تعالى في كل الأمور و في كل الظروف و المناجاة الدائمة و اللجوء إلى الله و الشكوى إليه وحده و الثقة برحمته بشكل كامل حتى قبل أن يكلمه الله تعالى في الطور و قبل أن يمنحه شرف الرسالة و الدعوة بشكل رسمي
لو أبحرتم معي في سورة القصص لوجدتم حواراً دائما و صلة وثيقة مستمرة من سيدنا موسى عليه السلام تجاه ربه عز وجل فكانت الجائزة و التكريم و التكليم لعبد اعتمد على ربه في كل أموره و سلم إليه تسليما كاملا
تأمل معي أخي في الله هذا الموقف الأول و هو عندما ضرب سيدنا موسى رجلاً من حراس فرعون لأجل رجل من بني إسرائيل فقتله بالخطأ فندم و تاب و استغفر قائلا :
(( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي )) فغفر الله له و رحمه و تاب عليه
قال تعالى :
((قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿١٦﴾))
و هنا تعلم سيدنا الكليم عليه السلام أن يستخدم نعم الله عليه فيما يرضيه عز و جل و خاصة نعمة
القوة و الصحة و العافية فقال تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام :
((قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴿١٧﴾))
و لاحظوا معي بداية كلام سيدنا موسى دائما بكلمة (( رب )) في أروع مناجاة و أجمل حوار داخلي دائم و مستمر
و عندما تآمر الفراعنة لقتل سيدنا موسى لجأ إلى ربه و ناجاه قائلا
(( رب نجني من القوم الظالمين ))
قال تعالى : ((فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢١﴾))
فعندما نشعر بالخوف و يضيع منا الأمان فما أجمل اللجوء إلى الله تعالى فمنه الأمان و بذكره تطمئن القلوب و ترتاح النفوس و يذهب الخوف و تأتي النجاة و يأتي الفرج
و عندما شعر بالضياع و لم يعرف الطريق إلى مدين توكل على الله تعالى فقال
(( فلما توجه تلقاء مدين قال عسى رب أن يهديني سواء السبيل ))
و يستمر الحوار و تستمر المناجاة و بعد أن سقى للمرأتين جلس في الظل و قال
(( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ))
و ما أعظم هذا اللجوء و هذه الشكوى المهذبة الرقيقة الجميلة فسيدنا موسى يشكو إلى الله تعالى فقره لكنه بنفس الوقت لا ينكر فضله و نعمه عليه فلم يقل رب إني فقير بل قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ليعلمنا أن نحمد الله تعالى في السراء و الضراء و أنه لا يأتي من الله تجاه العبد إلا الخير
هذا هو الارتباط الحقيقي و هذه هي الصلة الوثيقة و الاعتماد الكامل على الله تعالى في كل الأمور و حتى في أدق تفاصيل الحياة و هكذا عاش أنبياء الله الكرام عليهم الصلاة و السلام و هذا ما عاش عليه سيدنا موسى و لهذا كرمه الله و رعاه و حماه و أيده بنصره و بتوفيقه
و هكذا عاش سيد البشر و خاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و هكذا علمنا أن نعيش و أن نفوض أمورنا إلى الله تعالى وحده فقال صلوات الله و سلامه عليه
( إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله ))